استغلال الموارد الطبيعيّة
التحديث الأخير: 24.02.2022
منذ احتلالها للجولان السوريّ، عزّزت إسرائيل تدريجياً استحواذها على ثروات المنطقة الطبيعيّة، وتصرّفت كما لو كانت صاحبة سيادة شرعيّة عليها. حتى الآن، صادرت إسرائيل أكثر من 96٪ من الأراضي التي أخضعتها لسيطرتها، وفي ذات الوقت ترفض الاعتراف بالغالبيّة العظمى من الملكيّات السوريّة العامّة أو الخاصّة. يشمل استغلال إسرائيل للموارد الطبيعيّة في الجولان موارد الرياح والنفط والمياه.
الرياح
بحجّة السعي لتحقيق أهداف مستدامة للطاقة النظيفة، تواصل إسرائيل توسيع نطاق سلطتها، بشكل غير قانونيّ في الجولان، من خلال إطلاق مشاريع الطاقة المتجدِّدة. في الوقت الذي يُحرم فيه السوريّون من الوصول إلى مواردهم الطبيعيّة وأراضيهم، يُجبرون على الاعتماد الدائم على إسرائيل في مجال الطاقة من خلال إنشاء اقتصادات أسيرة. من بين مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسيّة الإسرائيليّة العديدة في الجولان، سيكون لمشروع طاقة الرياح النظيفة التأثير الأكثر دراماتيكيّة على صحّة السوريّين وبيئتهم.
تقف وراء هذا المشروع شركة Energix Renewable Energies Ltd. ، والتي تمّ تأسيسها وتداولها في البورصة الرئيسيّة في إسرائيل. على الرغم من اعتراضات لا حصر لها، قدّمها السكّان السوريّون، فقد حصلت "إنرجيكس" على موافقة من الحكومة الإسرائيليّة في كانون الثاني / يناير 2020 لبناء 25 توربينة رياح على الأراضي الزراعيّة الخاصّة والمجاورة لثلاث من القرى السوريّة المتبقّية في الجولان. ومع ارتفاع أقصى يبلغ 220 متراً، يمكن أن تكون التوربينات المعتمدة من أطول التوربينات البريّة في العالم وستشغل حوالي خمس الأراضي الزراعيّة التي لا تزال متاحة للسوريّين.
بالإضافة إلى انتهاكه القانون الدوليّ، تميَّز مشروع طاقة الرياح التابع لشركة "إنرجيكس" باستراتيجيّة التلاعب بالسكّان السوريّين وترهيبهم. وبلغ ذروته عند رفع دعوى قضائيّة، في عام 2019، من قبل شركة "إنرجيكس" ضدّ المرصد وأفراد من السكّان السوريّين، اعتماداً على "قانون مكافحة المقاطعة'' الإسرائيليّ المثير للجدل، في محاولة لإسكات المرصد وآخرين ممَّن أعربوا عن مخاوفهم بشأن مشروعيّة المشروع وتأثيره على السكّان السوريّين. ولا تزال القضيّة المرفوعة ضدّ المرصد جارية.
نظرا لخطورة الموقف، فإنَّ مقرِّرَيْ الأمم المتّحدة الخاصَّيْن المعنيّين بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان؛ مسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلّقة بالتمتّع ببيئة آمنة ونظيفة وصحيّة ومستدامة؛ وتعزيز وحماية الحقّ في حرّية الرأي والتعبير، كتبا إلى الحكومة اللإسرائيليّة وشركة "إنرجيكس" مطلع عام 2020.
في خطاب من 12 صفحة، حدَّد المقرِّران الخاصّان مخاوفهما القانونيّة بشأن مشروع "إنرجيكس" والدعاوى القضائيّة، وطلبا المزيد من المعلومات والتوضيحات بشأن تسع قضايا رئيسيّة. وفي ردّها، في مارس 2020، فشلت الحكومة الإسرائيليّة في إجابات شافية عن أيٍّ من القضايا القانونيّة التي أثارها المقرِّران الخاصّان. لا تجادل إسرائيل في أيّ من الحقائق الواردة في الرسالة، والتي تشير إلى انتهاكات مختلفة للقانون الدوليّ، ولكنّها تستمرّ في الدفاع عن "قانون مناهضة المقاطعة" المدان عالميًا لأنّه يُستخدم لقمع العاملين في مجال حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، في ربيع 2020، كانت "إنرجيكس" تستغل إغلاق كوفيد-19 في الجولان لتطوير مواقع لمشروع مزرعة الرياح الكارثيّ.
برفقة الشرطة الإسرائيليّة، يزور ممثلو شركة "إنرجيكس" مواقع المشروع لترسيم قطع الأراضي وتثبيت اللافتات. وفي الوقت نفسه، وبسبب القيود المفروضة على الحركة بسبب كوفيد-19، فإنّ السوريّين المحاصرين في منازلهم لم يتمكّنوا من مراقبة أنشطة "إنرجيكس" أو الاحتجاج السلميّ عليها. أولئك الذين خاطروا بصحّتهم وغامروا بالخروج وتصوير زيارات "إنرجيكس" والشرطة الإسرائيليّة لمواقع المشاريع، تعرّضوا لاحقاً للمضايقة والاستجواب من قبل الشرطة.
حصلت الشركة المنفِّذة، في الثامن من شباط / فيراير 2022، على تصاريح تخّولها الشروع بتنفيذ المشروع، الَّا أنّ السكّان السوريّين مازالوا يبذلون الجهود للطعن بقانونيّة هذه التصاريح- من خلال دعوى قضائيّة تتلقّى الدعم القانونيّ من قبل المرصد- ويواصلون نضالهم للحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع الكارثيّ.
المياه
حسب توقّعات معهد الموارد العالميّة ستكون إسرائيل، في عام 2040، ثامن أكثر دولة تعاني من الإجهاد المائيّ في العالم. لذلك ليس من المستغرب أنّه في عام 1995، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق إسحاق رابين أنَّ "الخطر الأكبر الذي يجب أن تواجهه إسرائيل في المفاوضات مع سوريا هو احتمال فقدان السيطرة على موارد المياه في مرتفعات الجولان. إذ أنّ الجولان يتميَّز بهطولات أعلى بكثير من الأمطار مقارنة بمعظم مناطق إسرائيل، وتعتمد إسرائيل حاليًا على كميّة كبيرة من استهلاكها السنوي من مياهه.
وفي إطار برنامجها الاستيطانيّ، شرعت سلطات الاحتلال ومنذ عام 1968 بإقامة مجمّعات مائيّة في الجولان المحتلّ، والتي تُشكَّل مع الأرض أهمّ بنية تحتيّة لتثبيت أقدام المستوطنين في الجولان، حيث تشكَّل الزراعة، التي تعتمد على المياه، القاعدة الاقتصاديّة الرئيسيّة في حياة المستوطنين. فحتى نهاية عام 2021، أقامت سلطات الاحتلال 16(ستة عشر) مجمّعاً مائيّاً في الجولان المحتلّ. ترتكز هذه المُنشآت على جمع المياه السطحيّة ومياه السيول والجداول في فصل الشتاء، عبر ربطها بقنوات مائيّة طبيعيّة، أو قنوات تمَّ حفرها لهذا الهدف. تبلغ سعة هذه المجمّعات المائيّة 45.0 مليون م / مكعّب.
بالإضافة إلى استغلال موارد الجولان المائيّة، نفَّذت إسرائيل، على مدى سنوات طويلة، سياسات مائيّة تمييزيّة تجاه السكّان السوريّين، وفرضت عليهم أسعارا أعلى للمياه، وحدَّدت حصصاً أقلَّ لكميّة المياه المسموح لهم بشرائها. وفي حين يتمتّع المستوطنون الإسرائيليّون، الذين يعتبر سكنهم في الجولان غير شرعيّ، بإمكانيّات غير محدودة لاستغلال المياه، فإنَّ السكّان السوريّين، أصحاب الأرض الشرعيّين، يعانون من تقييدات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، فقد جفّ عدد كبير من الينابيع المحليّة القليلة، التي كانت إسرائيل تسمح للمزارعين السوريّين بالوصول إليها، نتيجة لأنشطة الحفر واستخراج المياه التي تقوم بها الشركات الإسرائيليّة. كانت سياسات الاحتلال المائيّة من بين الأسباب الأساسيّة التي حدّت من قدرة السوريّين الأصليّين في الحفاظ على اقتصاد زراعيّ مستقر، حيث أنَّها لم تعد مجدية بالنسبة لكثيرين من مزارعي الجولان.
وفي المقابل، تستفيد إسرائيل من المياه التي تضخّها من الجولان لإنتاج أصناف من "نبيذ إسرائيل" عالي الجودة، وكميّة كبيرة من الفواكه والخضروات الإسرائيليّة، مستغلّةً الأرض التي صادرتها. تستخدم إسرائيل أيضاً المياه التي تحصل عليها من الجولان لريّ مستوطناتها عبر خط أنابيب المياه الوطنيّ الإسرائيليّ. إنَّ احتكار إسرائيل للمياه المستخرجة يدر أرباحاً كبيرة، إذ تعلن الشركات الإسرائيليّة، مثل Eden Springs، بفخر أنَّ مياهها تتدفق من "الشلال الطبيعيّ الجميل في قلب مرتفعات الجولان".
النفط والغاز
منذ اندلاع الصراع السوريّ في عام 2011، عزَّزت إسرائيل عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في الجولان. وقد منحت أوّل ترخيص لحفر آبار استكشافيّة لاحتياطيات الغاز والنفط، في عام 2013، للشركة الإسرائيليّة Afek Oil and Gas''، التابعة لشركة Genie Energy، وهي شركة ضخمة للطاقة مقرُّها الولايات المتّحدة ومرتبطة بـ"ديك تشيني" و"روبرت مردوخ". تدّعي شركة آفيك أنّ الجولان يحتوي على "مليارات البراميل من النفط الإسرائيليّ" وأنّه "من المتوقع أن يثري النفط خزائن [إسرائيل] بما لا يقلُّ عن 5 مليارات شيكل سنويّاً". غطَّت رخصة الحفر لشركة آفيك غالبيّة النصف الجنوبيّ من الجولان، حيث حفرت 10 آبار قبل أن تتوقّف أنشطة الحفر في عام 2017.
على الرغم من أنَّ شركة Afek قد أوقفت عمليّات الحفر مؤقتاً، إلّا أنّها لا تزال متفائلة بشأن احتياطيّات النفط الكبيرة في الجولان ولا تزال تسعى للحصول على تراخيص للتنقيب في المنطقة. يعتبر التنقيب عن النفط لتحقيق مكاسب خاصّة في الأراضي المحتلّة انتهاكاً واضحاً للقانون الدوليّ. علاوة على ذلك، لن يستفيد السكّان الأصليّون من أيّ مبيعات نفطيّة من المنطقة، رغم أنَّهم المالك الشرعيّ للأرض. ستكون هنالك أيضاً عواقب بيئيّة؛ إذ يمكن أن تستخدم شركة Afek تقنيات "التكسير" لاستخراج النفط والغاز، مما قد يتسبَّب في حدوث زلازل صغيرة وتلوّث المياه الجوفيّة. كما يمكن لعمليات التنقيب أن تلوّث الهواء وتتسبّب بإطلاق مواد كيميائيّة ضارّة.
كثير من السوريّين في الجولان لا يعرفون حتّى عن عمليات التنقيب عن النفط التي تجري. يعيش السوريّون في خمس قرى صغيرة متبقيّة في شمال الجولان، فيما تجري أعمال الحفر في جنوبه. هذا يسهّل على Afek تنفيذ عمليّاتها. إنَّ تأثير استغلال النفط سيطال السكّان السوريّين عموماً؛ فهو انتهاك للقانون الدولي، وسيلحق أضراراً بالبيئة، وقبل كلّ ذلك، فهو يعتبر سلباً للموارد الطبيعية من أصحاب الأرض الشرعيّين، أي الشعب السوريّ.
مقالات ذات صلة
"Water is Life" publication will be availabe again soon
- 1
- 2