
بيان المرصد بخصوص احصائيات التجنس الأخيرة
بيان المرصد العربي لحقوق الانسان في الجولان 26.03.2025 في نفس يوم هروب بشار الأسد، نفّذت إسرائيل أكبر عملياتها العسكرية بقصف وتدمير كامل البنية التحتية الدفاعية لسوريا، وباشرت باجتياح المنطقة العازلة في الجولان وبتوغلات أعمق من ذلك. عمليات التوغل والقصف وإقامة منشآت عسكرية وتدمير البنى التحتية والتنكيل بسكّان القرى السورية مستمرة حتى الآن. يعامل جيش الاحتلال سكان القرى السوريين في المناطق التي احتلها مؤخراً بطريقتين مختلفتين في ذات الوقت. من جهة يحاول استمالة الناس بتقديم مساعدات غذائية ويجمع قاعدة بيانات شخصيّة لهم ولاحتياجاتهم، ومن جهة ثانية يقوم بالتنكيل بهم ويمارس تضييقات عبر فصل السكّان عن أراضيهم والسيطرة على أوسع مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكّان، في مسعىً واضح إلى تهجيرهم. وأي اعتراض علني على تواجد قوات الاحتلال على الأراضي السورية يواجَه بعنف مفرط، يشمل عمليات اعتقال ويصل الى إطلاق النار على المتظاهرين المدنيين وقتلهم، كما حدث في الخامس والعشرين من مارس/آذار الجاري في قرية كويّا بريف درعا الغربي. في نفس الوقت يمارس جيش الاحتلال معاملة تفضيلية اتجاه القرى ذات اللون الطائفي الدرزي، ولا يتوقف المسؤولون الإسرائيليون عن إطلاق التصريحات بعزمهم على حماية السوريين الدروز، في السويداء وجرمانا وباقي المناطق، والسماح لهم بالعمل داخل المستوطنات في الجولان المحتل، وسواها من التصريحات التي تهدف لتكوين صورة عنهم كمتعاونين معها. بموازاة ذلك يتصاعد جدل حاد في الداخل السوري حول موضوع الأقليات، وتطغى عليه الصور النمطية التي تعتبر أن للأقليات نسقاً، مبنياً ضمناً، يمكننا من التنبؤ بسلوكهم السياسي، وأن انتماءهم للهوية الوطنية مشكوك فيه بسبب نزعة انفصالية تلازم طبيعتهم بوصفهم أقليات، وأن ولاءهم لجماعتهم ولقوى خارجية أقوى من انتمائهم للكيان الوطني السوري. ولا يعدم أصحاب هذه النظرة التشكيكية دلائل وممارسات، هنا وهناك، تؤكد وجهة نظرهم، يأتي في مقدمتها امتناع الفصائل العسكرية عن حل نفسها والانخراط ضمن الجيش السوري الجديد، وتصريحات القيادات الدينية العدائية بحق الإدارة الجديدة في دمشق، ورفع العلم الطائفي مكان العلم الوطني على مبنى محافظة السويداء، بالإضافة لتصريحات بعض الفصائل المسلحة في السويداء، كحزب اللواء السوري، حول علاقتهم بإسرائيل ورغبتهم المعلنة للتطبيع معها، أو الامتيازات التي يمنحها الاحتلال للدروز كاستقدام مجموعة من رجال الدين بحماية جيش الاحتلال لزيارة أماكنهم المقدسة في فلسطين، أو رفع العلم الإسرائيلي ليلا في ساحة العنقود في مدينة السويداء أو تصريحات أفراد متعاونين مع الاحتلال حول رغبتهم بدعوة إسرائيل لضم مناطقهم تحت مظلة احتلالها المستجد. تتناقض هذه الصور النمطية- حول "طبيعة ثابتة" للأقليات- مع سياق تاريخي عريض يبيّن موقف الأقليات ودورها المركزي في تحقيق الاستقلال الأول لسوريا، ويُظهر أن الأقلية العربية الدرزية على وجه التحديد، كان ولاؤها وانتماؤها دوما للدولة الوطنية، وأن الفيدراليات الطائفية المزعومة هي طموح إسرائيلي قديم بدأ مع مشروع يغئال ألون عام 1952، ولم يتحقق حتى الآن بفضل جهود استثنائية بذلها سوريون دروز. واليوم تعاود إسرائيل المطالبة، وبكلام صريح، بأن تتحول الدولة السورية المركزيّة والموحّدة إلى فدرالية. في مقابل ذلك، سنجد أن المعطيات الإحصائية الحديثة، التي تحيل إلى الانتماء السياسي للأقليّة السوريّة المتبقية في الجولان المحتل منذ عام 67 (حيث أن 99% من سكان القرى الأربع من الدروز)، والتي سنعرضها أدناه، تخلخل الصورة النمطية التي يُروّج لها هذه الأيام وتطعن في مصداقيتها، لا سيما وأنها تأتي في سياق عيشهم تحت الاحتلال لـ 58 عاماً، ومنعهم من التواصل مع وطنهم الأم سوريا، وفي ظل أمان نسبيّ وظروف اقتصادية لا تُقارن بحالة البؤس المعيشي التي يعاني منها عموم السوريين، وسكان المحافظات الجنوبية على وجه خاص. وكان المرصد قد نشر أواخر نيسان/أبريل من عام 2018 معطيات إحصائية حول نسبة المتجنسين بالجنسية الإسرائيلية، والتغيرات التي طرأت على نسبة المتقدمين بطلبات جديدة للتجنس، من بين سوريي الجولان المحتل. وضمّن المرصد بيانه فقرة تحليلية تفترض أن هذه التحوّلات تعكس تصورات الجولانيين حول مصيرهم المستقبلي وتضاؤل احتمال عودة الجولان للسيادة السورية في المدى المنظور، وخصوصا بعد التمرد السوري الكبير والدمار الهائل والجرائم المروّعة التي ارتكبها نظام الأسد في مواجهة انتفاضات السوريين المطالبة بالحرية والكرامة. مؤخراً حصل المرصد على إحصائيات محدّثة، من سلطة "السكّان والهجرة" ووفقاً لقانون حرية المعلومات لعام 1998، تغطي المرحلة الممتدة من عام 2021 وحتى تاريخ 31.12.2024. وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظتين جوهريتين: أ. الأرقام الإجمالية الواردة أدناه (في الجدول الأول- “السكان حسب تسجيل مكان الإقامة الحالي” حتى تاريخ 27.01.2025) تشمل كلّ من هو مُسجَّل كساكن؛ “مقيم مؤقت” أو “مقيم دائم” أو “مواطن” في قرى الجولان، بما في ذلك الأبناء والبنات ممن ورثوا الجنسيّة الإسرائيلية عن آبائهم وأمهاتهم، وكذلك الزيجات من خارج الجولان والأفراد والعائلات التي انتقلت من الجليل والكرمل أو أماكن أخرى للإقامة في الجولان. ب. الظروف الاستثنائيّة التي رافقت عملية “فرض الجنسيّة” على سكّان قرية الغجر، (من الأقليّة العلوية) والتي بدأت أواخر عام 1980 وانتهت عام 1990 تقريباً، جعلت من كلّ سكان الغجر وكل المواليد الجدد فيها، حاملين للجنسيّة الإسرائيلية بشكل تلقائي. الإحصائيات الحالية تتناول التغيرات التي حصلت في نطاق القرى الأربع: مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة وعين قنية. وفيما يلي أهم ما تحمله الإحصائيات المحدّثة: سياسات فرض جنسيّة القوّة المحتلّة على سكّان الجولان السوريّين، سواءً بالإكراه؛ كما حدث أيّام انتفاضة الهويّة، أو بالترغيب والتضليل والإغراء؛ كما يحدث هذه الأيام، تتنافى مع قاعدة أساسيّة لحقوق الانسان، تنصّ على "حقّ كلّ فرد في التمتّع بجنسيّة ما"، إضافة إلى أنّه "لا يجوز حرمان أيّ شخص من جنسيّته تعسُّفاً" (الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948). كما تتنافى هذه السياسة مع قواعد وأحكام المادّة 47 المتعلّقة بحماية الأشخاص المدنيّين وقت الحرب لعام 1949، إذ تنصّ على أنّه "لا يُحْرَم الأشخاص المحميّون الذين يوجدون في أيّ إقليم محتلّ، ولا بأيّة كيفيّة، من الانتفاع بهذه الاتفاقيّة؛ سواءً بسبب تغيير يطرأ، نتيجة احتلال الأراضي، على مؤسّسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أيّ اتفاق يُعقد بين سلطات الإقليم المحتلّ ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضمّ كلّ أو جزء من الأرضي المحتلّة". على الرغم من مرور 58 عاماً على وجودهم منسيين تحت الاحتلال - والتحوّلات البنيويّة العميقة التي طالت المجتمع الجولانيّ؛ واندماجهم في المنظومة الاقتصاديّة الاستعماريّة وارتباط شبكات المصالح الفرديّة والجمعيّة بها، واتساع نطاق تطبيقات القوانين المدنيّة وتعزيز صلاحيّات السلطات المحليّة التي تجاوزت مجال الخدمات والبنى التحتيّة إلى محاولة الاستحواذ على التمثيل السياسيّ لعموم أهالي الجولان، وفي ظل تراجع الخطاب الوطنيّ وتقدّم الخطاب الهويّاتيّ الطائفيّ، وازدياد نسبة المتقدّمين للحصول على الجنسيّة الإسرائيلية، وتحوّلات كثيرة أخرى.. بالرغم من كل ذلك لا تزال الغالبيّة العظمى من السكّان- 77%من تعداد القرى الأربع في الجولان المحتل – يمتنعون عن حمل الجنسيّة الإسرائيلية، ويُعتَبَرون مقيمين دائمين، وفق التصنيفات القانونية الإسرائيلية، حالهم كحال الفلسطينيين في القدس الشرقيّة. بخلاف كل التصورات النمطيّة لسلوك الأقليات وما يروّج له الإعلام الموجّه، وبعكس كل مفاهيم "المصلحة" الضيقة والمباشرة، وفي ظلّ التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا والإقليم، فإنّ تمسّك الغالبية العظمى من سكّان الجولان بهويّتهم العربيّة السوريّة، يحمل بعداً أخلاقيّاً وقيمة رمزيّة كبيرين، ذلك أنّ السياسات الناعمة والمخادعة التي تنتهجها سلطات الاحتلال تجاه سكّان القرى السوريّة، في سياق محاولات إدماجهم أو شراء ولاءاتهم، سرعان ما تتبدّد عندما تصطدم إرادة السكّان ومصالحهم الحقيقيّة مع مشاريع دولة الاحتلال ووكلائها، فتعود الى طبيعتها القمعيّة العنيفة؛ بوصفها سياسات قمع وتمييز ممنهج ضدّ السكّان السوريين من كل الأطياف. ملف البيان:
مقالات ذات صلة