الحق في التخطيط والسكن
تمَّ تحديث المادة بتاريخ 24.02.2022
بدأت إسرائيل سياستها التخطيطية في الجولان باستكمال مشروعها الاستيطاني الذي بدأته في فلسطين، والقائم على عقيدة التدمير والتطهير العرقي. فقد قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب عام 1967 وبعدها، بدفع ما يقرب من 138 ألف مواطن سوري لترك منازلهم بشكل قسري وطردهم إلى مناطق داخل سوريا، ومنعتهم من العودة إلى قراهم ومنازلهم.
شمل التطهير العرقي أكثر من 95% من سكان الجزء المحتل في الجولان، والذين توزعت مناطقهم السكنية قبل الاحتلال على 341 قرية ومزرعة إضافة لمدينة القنيطرة -عاصمة الجولان-. فقط ما يقارب 6,000 مواطن -حوالي 5% من سكان الجولان المحتل- نجوا من مشروع التطهير العرقي، فتمكنوا من البقاء، وكانوا يتوزعون على ستة قرى في شمال الجولان، هي (مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، سحيتا، عين قنية، والغجر)، لكن في عام 1971 قامت سلطات الاحتلال بتهجير سكان قرية سحيتا إلى قرية مسعدة، ثم دمروا القرية بالكامل، ليتبقى فقط خمسة قرى سورية في الجولان المحتل. وفي آواخر عام 2021 بلغ عدد سكان هذه القرى حوالي 28,000 نسمة، وعلى مدى السنين فقدت هذه القرى ما يقارب 56% من أراضيها، كنتيجة لسياسة مصادرة الأراضي التي تمارسها سلطات الاحتلال على السكان الأصليين في الجولان.
تعاني جميع القرى السورية في الجولان من ضائقة سكنية كبيرة ونقص حاد في المساحات العمرانية، نتيجة السياسات التي تمارسها سلطة الاحتلال. جزء من الأراضي التي صادرتها سلطات الاحتلال من الخمسة قرى، لصالح مشروعها الاستعماري، كان يُشكل مساحات احتياطية لتطوّر هذه القرى وتوسعها العمراني، لكن سياسات التخطيط التي تمارسها دولة الاحتلال، حرمت هذه القرى من أهم شروط البناء والتطوير، ألا وهي الأرض، مما أفرز تأثيرات سلبية جدا على حياة السكان الاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، حيث أدى هذا الوضع إلى ارتفاع خيالي في أسعار الأراضي المخصصة للتوسع العمراني.
ومن تداعيات سياسات الأراضي والإسكان التمييزية التي تنتهجها سلطة الاحتلال مع السكان السوريين في الجولان، هي ظاهرة انتشار البناء الغير مُرخص في القرى السورية المحتلة، وذاك جراء القيود الصارمة التي تفرضها لجان التخطيط الإسرائيلية، مما يجعل الحصول على تصاريح بناء في غاية الصعوبة، لذلك يلجأ السكان إلى بناء منازلهم دون تراخيص، كون هذه الطريقة هي الملاذ الوحيد لتلبية احتياجاتهم السكنية. هذه الظاهرة تقابلها سلطة الاحتلال بفرض غرامات مالية باهضه قد تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، واحياناً تقابلها بالهدم الكلي أو الجزئي للمبنى المشيد بدون رخصة. وبالفعل عام 2016 هدمت سلطات الاحتلال منزلاً في مجدل شمس شُيِّد بدون رخصة بناء. كانت هذه هي المرة الأولى التي تهدم فيها السلطات الإسرائيلية منزلاً سكنياً في الجولان السوري المحتل منذ أكثر من ثلاثين عامًا. من جانب آخر صدرت أوامر إدارية بهدم مئات المنازل التي شُيّدت من دون تراخيص بناء.
يسود قلق بالغ بين السكان السوريين من لجوء سلطة الاحتلال لاعتماد سياسة منهجية لهدم المنازل على ضوء مواصلة سلطة الاحتلال لسياسات التمييز فيما يتعلق بالإسكان والتخطيط عندما يتعلق الأمر بالعرب، مما يفاقم أزمة السكن في القرى السورية، ويحول دون تطوير بُنيتها التحتية. وما يفاقم مشكلة السكن في القرى السورية الخمس، بشكل خاص، مواصلة السلطات الإسرائيلية سياسة الاستيلاء على الأراضي من خلال تصنيفها كـ "محميات طبيعية"، "مناطق "احتياجات عسكرية"، أو مناطق "خدمة المصلحة العامة". وتستخدم منذ عام 1948 هذه السياسات بشكل ممنهج، حيث تستهدف بشكل واضح السكان العرب داخل دائرة سيطرتها، والهدف من ذلك، منع توسع التجمعات السكنية العربية، بالإضافة إلى استخدام الأراضي المصادرة لبناء مستوطنات يهودية، وإقامة مشاريع تخدم بدرجة أولى الوجود اليهودي.
إن تخطيط الحَيّز/المكان (Spatial Planning) جاء لتنظيم وتطوير الحيّز الذي يعيش فيه البشر، بحيث يصب في خدمة شؤون حياتهم وتطوير مستقبلهم. وبالتالي، فإن تخطيط الحَيّز له تأثير قوي ومباشر على مستقبل السكان وتطور المجتمع، حيث أن سياسة التخطيط تؤثر بشكل جوهري على جودة الحياة، فبمقدورها تحسين وضع الفرد والمجتمع، ولكنها بذات الوقت قادرة على أن تسبب أضراراً كبيرة.
التخطيط في إسرائيل يُستخدَم كأداة قوية لإخضاع والسيطرة على السكان العرب القاطنين داخل دائرة سيطرتها، وهناك استخدام مُفرط للتخطيط من أجل تحقيق أهداف سياسية، وقد عمد المخططون والسياسيون الإسرائيليون، ومنذ البداية، على إخفاء الربط بين التخطيط والمشروع السياسي الصهيوني. سياسة التخطيط والتنمية في إسرائيل ترتكز على مبدأ التفضيل والتهميش، حيث إن تراث وثقافة هذه السياسة، والتي بدأت منذ قيام الدولة العبرية غنية بالتخطيط العنصري، الذي يقوم على تفضيل الفئة المُسَيطِرة (اليهود) وتهميش الفئة المُسيطَر عليها (العرب).
مقالات ذات صلة